مصطفى ناجي الجبزي
للعام السابع، كل الفعاليات التي تتناول موضوع السلام في اليمن والمخصصة لتعزيز الحوار بين اليمنيين تضم اطرافاً عديدة ليس فيها الحوثي حتى يظن المرء أن هؤلاء هم من فجروا هذه الحرب ويرفضون ايقافها.
اللقاءات الوحيدة التي حضر فيها الحوثي كانت مشاورات أو مفاوضات باءت بالفشل (الكويت، بازل، مسقط، جنيف، ظهران) أو أظهر فيها الحوثي "عنظزة" وغروراً وصفاقة كما حدث مؤخراً في الأردن أثناء التفاوض حول فتح منافذ مدينة تعز أو قبلها بعام أثناء الحديث عن ملف الأسرى والمحتجزين والمخفيين.
من الجيد جداً أن يلتقي اليمنيون في مختلف المحافل، وأن يستمر الجهد الدبلوماسي برعاية محلية أو اقليمية أو أوروبية. الجميع بحاجة إلى أن يتمرّن على صنع السلام وليس أفضل من اليمن كتمرين حي.
وربما يليق بمن حضر في هذه المحافل الصدق مع الذات ومع التاريخ. فالسلام الحقيقي له شروطه الموضوعية وله تمهيدات وله كلفة. وأول الكُلَف هو الصدق مع الاحداث والفاعلين والصدق في الاحداث والفاعلين.
كل الوجوه المتصدرة المشهد جميلة. جميلة جسداً وروحاً. وانا أبارك مخلصاً حسن الانتقاء والاختيار. وهي تُغرّد بأفضل ما لديها. لكن صوت المدافع أقوى من كل تغريداتنا. ولون الدماء التي تريقها الأعيرة والذخائر والشظايا والألغام والاغتيالات أوضح لوناً وأشد بريقاً وأبلغ لغة. حتى وإن صمت هدير محركات طائرات مقاتلات التحالف فهناك حرب في اليمن أمضى وأشد والحديدة خير مثال.
لا يسع المرء إلا أن يبارك أي جهد يهدف إلى حقن الدماء وترويض النفوس على السلام وفتح نافذة للأمل. وشخصياً، لا أكلّ ولا أملّ من بث الأمل. لكني اسأل نفسي في كل مرة من أين مصدر التفاؤل وما مصداقية الأمل الذي أقوله. وأنا إذ أفعل فإني على يقين بأن هذه الدروب التي تشقها الأيادي وتذللها الجيوب للسلام ليست الدروب المثلى ولا الأقصر ولا الأنجح.
لكن حكمة المثل اليمني الساخر" امشي مع الكذاب إلى باب بيته" تجعلني ملزماً أمشي مع كل محاولات للترويض وصناعة السلام إلى حيث مفترق الطرق.
إن المسألة في نظر الناظر من زاوية بعيدة هي مسألة وقت. وكل تجربة جديرة بالتجريب. وعلينا طرق كل باب. إلا أن الأبواب كثيرة وكلما أُغلق بابٌ فتحت أبواب أخرى. لكننا في كل مرة نخطئ باب السلام.
لهذه الحرب نهاية في الأذهان بشكل من اثنين: غَلَبة لطرف هي مصدر شرعيته وشرعته، أو دفن لهذه الحرب بلا عناية بالعدالة وبناء الدولة القابلة للحياة. لا تستطيع قضية أن تستحوذ على اهتمام كل الناس طول الوقت. وقد طال أمرنا في عيون الناس وسيصرفون عنا الوجوه إلى وجهات أكثر إثارة.
هناك رغبة خارجية في دفن القضية اليمنية حيةً. إنها مصدر للملل والضجر ولم تعد مربحة خارجياً كما يتوقع البعض. انتهت الوظيفة الحقيقة لهذه الحرب خليجياً على الأقل. والمنظمات الحقوقية الدولية لا تستطيع الاستثمار في هذه الحرب أكثر مما فعلت وهي تهاجم السعودية وتطلي بها الحرب متجاهلةً جذورها الحقيقية وينابيع الصراع اليمني المتجدّد والمتجذّر تاريخياً واجتماعياً.
حتى أن اسوأ فيلماً وثائقياً بثته قناة المانية عن الوضع في اليمن كان في توقيت سيء حيث لم يعد أحد مهتم بمتابعة الشأن اليمني بعد أن اغرقت الحرب الروسية على أوكرانيا أوروبا باللاجئين واشعرت الجميع بقرب مصدر الخطر والتهديد. مجرد مناكفة رخيصة ومبتذلة جداً. هذا لا يعفي القناة من مسؤوليتها الاخلاقية والقانونية في تزوير حقائق ماثلة او تقديم حقيقة مضادة.
فضلا عن ان الجهود الانسانية باتت مكشوفة ولا يمكن تحقيق المبلغ المطلوب للعمل. في كل عام ينقص المبلغ المجمّع عن المبلغ المطلوب بما يعادل النصف. عملياً الأمر اشبه بتاجر اصبحت عملياته غير مجدية. ومع الوقت سيفقد الجميع الثقة به ولن ينفعوه في أزمات لاحقة قد تنفجر في بقعة منحوسة على هذه البسيطة (الكروية).
مسألة تحقيق السلام العادل والحقيقي والذي يقود الى بناء دولة هي شأن يمني أولاً، ومواجهة العنصرية والتمييز وسلطة الاستحقاق التاريخي والتفويض الإلهي شأن يمني أيضا. عندما يدرك الحوثي انه بهذه الذهنية لن يستطيع حكم اليمنيين وانه واحد من كل وان قدراته المسلحة غير قادرة على اخضاع اليمنيين يمكن تحقيق سلام.
لكن هذا السلام لن يتم إلا بجهد من الجيران. جهد أصدق من الجهد الحالي. وعندما يصبح الميدان اليمني غير صالح للاستخدام التكتيكي او الاستراتيجي بين الفرقاء في المنطقة يمكن تحقيقي سلام. عندما تخرج المنطقة من ذهنية الربيع العربي وما بعد الربيع العربي يمكن تحقيق سلام.
*من صفحة الكاتب على "فيسبوك"