لم تكن الزيارة الأولى التى أقوم بها إلى اليمن فى الأيام الأخيرة، فقد كانت هناك زيارة أولى عام ٢٠١٠، فى أثناء حكم الرئيس على عبدالله صالح، كان اليمن وقتها فى حالة استقرار، ويحقق قفزات على طريق التنمية ووثبات نحو المصالحات الشاملة بعد حرب التشطير بين اليمنين الجنوبى والشمالى، وتوحيد البلاد، إلى ان وقعت أحداث الربيع العربى الذى تحول إلى الخراب العربى، حيث نال اليمن النصيب الأوفر من الهدم، وخطط التقسيم ووقوع البلاد فى شراك الخطف الإيرانى، من خلال جماعات الحوثيين التى قفزت إلى المشهد، باحتلال صنعاء لتشهد ثمانى سنوات من الإرهاب والقتل.
أتذكر فى الزيارة الأولى أنه كانت هناك شخصية لها حضور سياسى، وعقلية راجحة كنت أسمع بها فى أثناء متابعتى الشأن اليمنى وهى ذات تاريخ طويل فى حكومات اليمن طيلة التسعينيات والألفية الجديدة، وهو الدكتور رشاد العليمى رئيس مجلس القيادة لليمن والذى شغل من قبل منصبى وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء فى عديد الحكومات اليمنية، والرجل القادر على قيادة البلاد إلى بر الأمان، فهو الأقرب إلى عقول وقلوب اليمنيين، حيث يلقب برجل المصالحات والتوافقات، واستطاع وأد الفتن والتوترات باليمن حتى فى أثناء حكم عبدالله صالح وزادته المهام والمعارك السياسية والتفاوضية طيلة سنوات الحرب مع الحوثيين حنكة وخبرة.
ومنذ خروج الحكومة الشرعيّة من صنعاء ولأكثر من ثمانى سنوات، قاد دكتور العليمى الاتصالات والمفاوضات من أجل إنقاذ الدولة الوطنية والحكومة الشرعية، وإبقاء القضية حية على أولويات المجتمع العربى والدولى، عاصرته متنقلا وعبر جولات مكوكية طيلة السنوات الماضية بين القاهرة والرياض وعواصم العالم، أبرزها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، يرسم خطوط الاتصالات والجهود والمفاوضات ويقدم المشورة والنصح، ويطرح المقاربات لوفود اليمن فى مفاوضات مسقط والكويت والسويد، استطاع تكريس كل علاقاته المتشعبة عربيا ودوليا لعودة الاهتمام الدولى وتوفير الغطاء العربى بشكل دائم لتفاصيل المشهد اليمنى بشكل يومى، فى السنوات الأخيرة وخلال زياراته المتعددة وإقامته ما بين القاهرة والرياض، التقيت دكتور العليمى بترتيب من صديق مشترك وهو الدكتور سيد على رضوان، مهندس العلاقات المصرية - اليمنية على المستوى الإعلامى والصحفى، والتقارب بين الوفود الإعلامية للبلدين فى السنوات الماضية، عبر لقاءات صحفية أعدها ونظمها لى ولعدد من الزملاء الصحفيين المصريين مرات عدة للاطلاع على خبايا الموقف اليمنى وتفاصيل المشهد حربا وسلما، فالأخير هو صاحب الخبرة والحل والعقد لتفاصيل الأزمة بكل جذورها وتفاصيلها، ما أهله لقيادة اليمن فى معركة الإنقاذ، ولذا كان قرار مجلس القيادة اليمنى منذ عام، باختيار د.رشاد العليمى رئيسا لمجلس القيادة الرئاسى بالجمهورية اليمنية، وبالفعل قرر الرجل بعد أيام معدودة من تولى مقاليد الأمور باليمن، تغيير المعادلة ووضع خريطة طريق للتعاطى مع الأزمة اليمنية عبر تشكيل حكومة شرعية جديدة، ووضع خطة تحرك عسكرية وسياسية لفرض معادلة الحل الشامل باليمن، وعودة صنعاء عاصمة لليمن وكل اليمنيين، وكانت ضربة البداية، أولا نقل مقر القيادة للمجلس الرئاسى من الرياض فى السعودية، إلى عدن العاصمة الثانية فى اليمن بعد صنعاء، بدعم من السعودية ومصر والإمارات لتكريس العودة الكاملة لقيادة الحكومة الشرعية من داخل اليمن، وتفعيل عمل الوزارات والمؤسسات اليمنية من جديد - لاحظ ان تلك مهمة ليست باليسيرة، إذ تأتى بعد حرب ضروس مع الحوثيين.
وخلال عام واحد استطاع د. رشاد العليمى أن يكرس العودة الكاملة والشاملة للحكومة الشرعية باليمن، واستعاد عمل الوزارات وكان أولاها وزارة الدفاع وإنشاء غرفة عمليات عسكرية بها داخل المقر المؤقت بعدن، ناهيك عن توحيد كل الألوية والتشكيلات العسكرية فى قيادة موحدة، مازالت تقود الحرب والمواجهات شبه اليومية مع شراذم جماعة الحوثى فى بعض المناطق التى يسيطرون عليها او يحاصرونها مثل مدينة تعز، إضافة إلى التمهيد للعودة الكاملة لسلطة الحكومة عبر تجهيز المستشفيات والمدارس وسائر مواقع العمل الجماهيرى لتيسير حياة اليمنيين فى عدن وكامل المدن اليمنية باستثناء صنعاء ومساحة قليلة من الأرض لاتتجاوز٢٠% من أراضى اليمن.
حملت لى الظروف فى الأيام الماضية دعوة كريمة من د. رشاد العليمى لزيارة عدن ضمن وفد إعلامى مصرى وبتنسيق من د. سيد على رضوان حيث قضينا يوما، بصحبة د. العليمى فى قصر الحكم والشرعية الجديدة المنطلقة بعدن، كان اللقاء مطولا انفتح فيه الرئيس العليمى على جميع التساؤلات والرؤى وعرض خطط حكومته لبسط الشرعية والحكم الكامل على جميع ربوع اليمن، فضلا عن سبر أغوار الاتصالات والتحركات المعلنة وغير المعلنة لحل الأزمة اليمنية وجهود المبادرة السعودية - الأممية حاليا لحل الأزمة اليمنية، بجانب الأدوار الخبيثة لإيران فى تأزيم وتراكم أزمة اليمن طيلة ثمانى سنوات، وكل ذلك سيكون مجال المقال القادم، لكن لا ينسى الرئيس العليمى ان يحدثك بفخر وإعزاز وثقة ان العودة والحكم للشرعية وقيادته من صنعاء قادم لا محالة، خاصة بعد تحرير وبسط قيادته والجيش اليمنى على ٨٠% من الأراضى اليمنية باتت فى حوزتهم الآن، ولم يعد يتبقى إلا معركة صنعاء وهى قادمة بعد إنهاء حرب غزة.