احمد زيدان

الظاهرة التي لجأ إليها المحتجون الإيرانيون في مظاهراتهم خلال الأسابيع الأخيرة هي تطيير عمامات ملالي إيران، حيث شوهد فتيان وفتيات إيران وهم يقفزون خلف الملالي أو أمامهم من أجل نزع عمائمهم، وطرحها أرضاً، وربما رميها في بعض الأحايين في سلل القمامة، ثم الهروب بعيداً، الأمر الذي يلقي بتداعيات خطيرة وعميقة وبعيدة الأثر على دور الملالي في الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية في إيران، وتحديداً في دور المذهب الشيعي فيها. وهي سابقة في تاريخ إيران، حيث كان المذهب على مدى تاريخها ومنذ العصر الصفوي أقرب إلى هوية قومية، منه إلى مذهب تدين به إيران.

ولذا، فمثل هذه التصرفات التي تحوّلت إلى ظاهرة عكست في كنهها وجوهرها مدى الاحتقان والتعبئة والحشد الجماهيري المعادي للمذهب ذاته ورموزه من الملالي، خصوصاً مع نزوع بعض الشرائح من جيل الشباب الإيراني إلى الإلحاد والديانات الإيرانية القديمة هرباً من المذهب الشيعي، حيث بات يصفه البعض منهم بالخرافات التي يسعى الملالي إلى تسويقها في معاركهم المذهبية والسياسية والفكرية.

كانت انتفاضة 16 نيسان/ أبريل في العراق في جوهرها وحقيقتها ضد الملالي، حين طغى على المتظاهرين لون الشباب الشيعي الذي ندد بالملالي، ووصل الأمر إلى تدنيس صور لرموز الملالي ورموز إيران؛ من صور علي خامنئي، إلى صور قاسم سليماني، وحتى إلى السيستاني الذي كان من الخطوط الحمراء. وتطور الأمر إلى وصم الشباب الشيعي المنتفض ما يروجه ملالي طهران والعراق من زيارة أربعينية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بالبدعة، ويدللون على ذلك بقولهم إن النبي عليه السلام أرسله إلى تحطيم الأصنام، مما ينسف كل هذه الادعاءات.

المفاجأة والغريب أن هذه الانتفاضة وغيرها من الثورات الإيرانية السابقة عام 2009، وعام 2017، و2019، لم تكن كافية لدفع ملالي طهران إلى تعديل سلوكياتهم وسياساتهم، واستباق مثل هذه الثورة التي يراها الكثيرون مفصلية وربما حاسمة في تحديد مصير حكم الملالي، تجلى ذلك بحجم التفاعل الغربي الفرنسي والألماني بعد أن كان يتسم الموقف الرسمي بالصمت والتحفظ كما في الاحتجاجات السابقة التي تحدثنا عليها.

على مدى قرون كان المذهب الشيعي في إيران تابعاً للحكومات، ولم يكن يقود الحكومات والدول، مما جعل الشعب الإيراني يعتاد على حقيقة أن المذهب تابع للدولة وليس العكس، وبوصول الملالي إلى الحكم في إيران عام 1979، وتحييدهم لاحقاً الشرائح المجتمعية المهمة عن السلطة، تسبب ذلك في حالة احتقان لا تزال تداعياتها مستمرة منذ تلك اللحظة.

لعل الانشغال الإيراني في ساحات العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، ألقى بتداعياته السلبية أيضاً على تقييم الشعب الإيراني لأداء حكم الملالي، وهو يرى إنفاق الحكم المليارات من الدولارات على حروب لا ناقة للشعب الإيراني فيها ولا جمل، سوى إفقاره، وتشويه سمعته وسمعة بلاده في الخارج على أنه داعم للأنظمة المستبدة والفاسدة، مما يعني تبديد هذه المليارات في ساحات معارك لا علاقة للإيراني العادي فيها، حيث كان الأولى أن تخدم المليارات من الدولارات الشعب الإيراني، الذي يئن تحت فقر، وبطالة، وتضخم، وانهيار في العملة غير مسبوق، حتى غدت ربما أرخص عملة في العالم.

ارتباط إيران اليوم بالمحور الاستبدادي مع روسيا والصين وعصابات الأسد، والحوثي، والحكم في العراق، جعل الملالي في صف واحد في محور الاستبداد المعادي للشعوب، وهم الذين لطالما تغنوا بالثورة والثوار ومقاومة الاستكبار العالمي، والوقوف مع المظلومين، لنجدهم أخيراً يقاتلون على جبهتين؛ جبهة داخلية لإسكات شعبه وقمعه، والجبهة الأخرى، هي جبهة المشاركة مع روسيا في قمع وهزيمة الشعب الأوكراني المحتل روسياً، وذلك عبر تزويد المحتل الروسي بالمسيرات الإيرانية، وكذلك بالمستشارين، في مسعى لدعم الاحتلال الروسي في قمع الشعب الأوكراني.

يحلو للبعض أن يعقد مقارنة، لا أدري صوابيتها ودقتها، لكن يجدر طرحها في هذا السياق وربما المستقبل وحده الكفيل بدعمها أو دحضها. هذه المقارنة هي ما رفعته الثورة الفرنسية من شعار "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"، وذلك في حالة تعكس مدى الغضب والتمرد على حكم الملالي في إيران.

ويذهب البعض في المقارنة إلى أبعد من ذلك، ويستذكر حادثة المغول حين اجتاحوا بغداد ثم حواضر الأمة في الشام، ودخولهم في معارك مفصلية مع العثمانيين، لكنهم تحوّلوا لاحقاً إلى الإسلام بعد أن انكفأوا إلى مناطق شبه القارة الهندية واكتفوا بالحكم هناك، في حالة أقرب إلى الانعزالية عن الأمة المسلمة وهمومها، وأشواقها.

ولذا، فإن كفر الشباب الإيراني بالملالي سينعكس برأي هؤلاء على المذهب الشيعي نفسه، وربما يحدث التحول لمذاهب أخرى، نرى إرهاصاتها اليوم عبر التحوّل إلى المذهب الإلحادي، أو المذهب الزرادشتي ونحوه، وربما يحصل التحول إلى أهل السنة، إن وُجد من يستغل فرصة تاريخية قد لا تعوض.